mercredi 4 juillet 2012

Caricatures de soutien à Jabeur et Ghazi

 






yakayaka.org

بعد سجن الشابين جابر الماجري وغازي الباجي: هل عاد شبح المحاكمات السياسية؟


i
قررت محكمة الاستئناف بالمنستير اقرار الحكم الابتدائي القاضي بسجن لمدة سبع سنوات ونصف ناشطي الانترنات غازي الباجي وجابر الماجري. وجاء قرار السجن على اثر نشر جابر لصور كاريكاتورية ونصوصا على صفحته الشخصية على الفايسبوك ادعت هيئة المحكمة أنها تسيء الى الرسول (ص). سبب كفيل لأن يلقي به في السجن بينما تمكن صديقه الذي كشفت اجراءات التحقيق العدلي أنه زوّد الماجري بكتب تدافع عن الالحاد من بينها دراسة سبق أن كتبها ونشرها على صفحات الانترنت بعنوان "وهم الإسلام"، من الفرار بجلده وهو الآن يتنقل بين الدول الأوروبية بحثا عن ملاذ آمن
..
السلطات القضائية اتهمت الشابين بالتجاهر عمدا بفحش وترويج نشريات وكتابات أجنبية المصدر أو غير أجنبية من شأنها تعكير صفو النظام العام والنيل من الأخلاق الحميدة، والإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات، طبق أحكام الفصلين 121 ثالثا و226 من المجلة الجزائية والفصل 81 من مجلة الاتصالات.
سجن قاس لشابين في مقتبل العمر، ذهبا ضحية جهاز قضائي لم يحقق استقلاليته بعد ويطبق ذات القوانين الجائرة التي استند اليها النظام السباق لتصفية خصومه السياسيين.
ناشطي الانترنات جابر الماجري وغازي الباجي يمكن اعتبارهما سجيني رأي بامتياز. حيث أنه تمت محاكتهما لشبهة   حدوث "ضرر معنوي حاد" ادعى احد المواطنين انه أصابه لما تفحّص صفحة الفايسبوك لجابر لماجري. "المتضرر في معنوياته" قدم شكاية ضد ذلك الشاب متهما اياه أن "ما ارتكبه في حق الأمة الاسلامية يُعد تعديا صارخا على الأمة والدين". حجة ضعيفة وواهية لشخص ما كان له أن يلج الى صفحة الفايسبوك لذلك الشاب تفاديا "للضرر معنوي حاد أصابه". فهل كان ذلك الشاب يبغي احداث ذلك "الضرر المعنوي" للمشتكي لما نشر ما نشره؟ وهل سنشاهد في المستقبل أشخاصا آخرين يسجنون كتابا أو رسامين أو مخرجين لمجرد أن "معنوياتهم" تضررت تبعا لانتاجاتهم الأدبية أو الفنية؟

الشابين هما سجيني رأي لأنهما سُجنا من أجل رأيهما حول مسائل دينية. فكل ما قاما به يتنزل في اطار الفصل 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينص على ان "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير…"
وحسب المقاييس الخمسة لمنظمة العفو الدولية في تصنيف سجناء الرأي، فإن هاذين الشابين ينطبق عليهما معيار "الانتماء الى ديانة غير مدعومة من طرف السلطة

كما تتوفر في الشابين المذكورين صفات السجناء السياسيون وفق القانون الدولي. فينسحب عليهما الوصف الذي وضعه مجلس اوربا لتعريف السجين السياسي، حيث تتوفر اثنتين منهما وهما: "اعتقال مرتبط بانتهاك للحقوق الأساسية للإنسان (التفكير، العقيدة، التعبير، التجمع)" و"الاعتقال الراجع لأسباب سياسية ليست لها علاقة  بالجريمة".
فهذه المسألة من حيث المبدأ تتعلق بشابين يُحاكمان على رأيهما الذي ربما لا يتفق معه قليل أو كثير من الناس، ووقعت معاقبتهما نتيجة اصداحهما بذلك المعتقد. أفكار لا تسر ما اصطلح على تسميته بـ"ثوابت" المجتمع. وهي نظم اخلاقية وقيم اجتماعية سائدة لا يُعلم التاريخ الدقيق لتحولها الى "ثوابت" للمجتمع حتى يجتهد المشرعون لسنّها، ومنفذي القوانين لتطبيقها. ثم وألم تكن قبل ذلك، أفكار يحملها عدد محدود من الأشخاص كانوا هم أيضا عرضة للقمع والمحاصرة؟

على العموم ليس هذا اطار للجدل حول مسائل تخص وعي الجماعة، وآليات القهر الاجتماعي، ووظيفة الدولة، والحريات الأساسية وضوابطها، بقدر ما تكشف قضية المهدية الحاجة الى تثوير عقليتنا في التعاطي مع هذه الملفات الشائكة.
فلو سلمنا فرضا أنه وقعت ثورة في بلدنا، فالثورة لا بد ان تنعكس على كل ارث الماضي. فلطالما سجن النظام السابق كل متبن لأفكار أو آراء لا تتوافق مع سياسته. وحكام اليوم كانوا مطاردين أو مسجونين لنفس الاسباب وعدد منهم وقف خلف المعتقلات لعدة سنوات لذات القوانين التي تحرم الشابين من حريتهما حاليا
.
المحاكمة سياسية لا شك في ذلك، فالمحكمة تساير الرأي العام المتدين في غالبيته الذي يهيج بسرعة كلما وقع توظيف مشاعره الدينية. وهذه المحكمة التي كان من المفترض عليها أن تذود على حقوق الانسان هاهي تواصل مرة نفس الخطيئة الكبرى التي  تعودت على ارتكابها؛ الرضوخ لأحكام حزب السلطة التنفيذية وأهواء المجتمع. فانتبهوا مثلا أن المحكمة استندت في حكمها على قوانين مخالفة للفصول التي وردت في المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 02 نوفمبر 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر التي تتضمن احكاما عقابية أقل وطأة مما ارتكزت عليه المحكمة في حكمها، فقط من أجل أن تثبت أنها تحمي المجتمع من "الأفكار الهدامة" ! وطبعا لا معنى للحديث عن أهم مبدأ للقضاء المتمثلة في الحيادية
.
الشابان قد يُلامان لأنهما "خدشا" الحياء وتعديا على رموز الإسلام وصرّحا بمواقف تمس المشاعر الدينية لغالبية التونسيين وتعكير صفو النظام العام. تثبتوا في تلك المصطلحات. هي مفاهيم ضبابية ومبهمة وتحتمل تأويلات متعددة ومختلفة على اختلاف المرجعيات الفكرية والانتماءات الجغرافية والثقافية وغيرها من المؤثرات "غير الثابتة". مبررات تخضع لمزاج القضاة التي قد تؤدي في بعض الأحيان الى خراب البلاد لمجرد حدوث تأويل في غير محله
.
مساندي الحكم بسجين الشابين يدافعون على فكرة وجود حدود لحرية التعبير، طيب لنترك السؤال عن الجهة المؤهلة لوضع تلك الحدود والخط الفاصل الذي وجب التوقف عنده للحديث عن هذا الموضوع والنأي عن ذاك، ولنقل: ماذا لو تركنا الباب مفتوحا على مصرعيه أمام حرية التعبير للجميع دون استثناء أو منع؟ هل سيتضرر احد "معنويا ضررا حادا"؟ هل سيضمحل المجتمع ثقافيا؟ هل سينهار؟ فإذا كان محصنا ذاتيا في عقيدته وإيمانه وأفكاره، فلماذا يجزع من افكار قد لا يتبناها قطاع واسع من الناس؟ ألم تنتشر الأفكار السائدة حاليا بفضل الاقناع والحجة، فما الذي يصدها عن حماية نفسها بنفس ذلك الاسلوب؟
من أسباب انهيار النظام السابق هو ممارسته الوصاية على وعي التونسيين. وصاية استخدمت من أجل تحقيقها مؤسسات وأنماط تفكير وذهنية عامة تُوظف حاليا لنفس هذا الغرض؛ ممارسة الوصاية على ذكاء التونسيين.
ودولة ما بعد الثورة هي دولة تحمي حقوق مواطنيها مهما كانت أفكارهم. ولا خيار سوى اطلاق سراح هاذين الشابين وإلغاء جميع القوانين المعادية للحريات. الحريات لكل التونسيين دون تمييز.

•  سفيان الشورابي:   صحافي، عضو لجنة مساندة سجيني الرأي جابر الماجري وغازي الباجي